|
، مثل بردية "إبوت" و"هاريس" و "أمهرست"، تفاصيل عمليات سطو على مقبرة في نهاية عهد الملك رعمسيس التاسع، ومحاولة البعض سرقة مقابر ملكية في البر الغربي لمدينة طيبة، مثل مقبرة "سخم رع- شدتاوي- سوبك إم ساف"، من ملوك الأسرة ال17، ومقبرة الملكة "إيزيس" زوجة الملك رعمسيس الثالث.
وتتلخص قصة نهب مقبرة "سخم رع" أن أحداثها وقعت في عهد الملك رعمسيس التاسع، عندما أبلغ "بورعا"، أمير البر الغربي لمدينة طيبة، رئيس الشرطة عن سرقة مقابر ملكية في المنطقة. وعلى الفور، شكل عمدة المدينة الوزير "خعمواست" وساقي الفرعون "نسآمون" لجنة تحقيقات لفحص المقابر المبلغ عن سرقتها، وعددها عشر مقابر.
وخلصت لجنة التحقيق إلى حدوث اعتداء بالفعل على مقبرة "سخم رع"، وتوصلت الشرطة إلى الجاني، وكان شخصا يدعى "أمنبنفر"، عامل بناء في معبد آمون-رع. وسجلت النصوص المصرية القديمة محضرا لاستجوابه غير منقوص مفعما بالحيوية، نورد مقتطفا منه نقلا عن الترجمة الفرنسية للعالم فرانسوا دوما في كتابه "حضارة مصر الفرعونية"، إذ يقول اللص:
"توجهنا كعادتنا لسرقة المقابر، ووجدنا هرم سخم-رع-شدتاوي، ابن رع سوبك إم ساف، وكان هذا الهرم لا يشبه شيئا على الإطلاق، من أهرام ومقابر النبلاء التي اعتدنا سرقتها، أخذنا معنا أدواتنا النحاسية ودخلنا عبر ممر داخل هرم هذا الملك ومن خلال أكثر أجزائه عمقا... وعثرنا على زوجته الملكة (نبخعس) موجودة إلى جواره".
"وجدنا الملكة ترقد على نحو مماثل وفتحنا التوابيت حيث كانا قد سجيّا، ووجدنا مع المومياء المهيبة لهذا الملك خنجرا، وحول رقبته الكثير من التمائم والحلي الذهبية، ويغطيه قناعه الذهبي، والمومياء المهيبة مغطاة بكاملها بالذهب وتوابيتها مزدانة بالذهب والفضة في الداخل والخارج، ومرصعة بالأحجار الكريمة. جمعنا الذهب الذي وجدناه فوق هذه المومياء المهيبة، وأيضا ذهب التمائم والحلي التي حول رقبته وذهب التوابيت التي كان يرقد فيها. كما وجدنا الملكة على نفس الحال، فجمعنا أيضا كل ما وجدناه فوقها وأشعلنا النار في التوابيت...".
لم تكن سرقة المقابر عملا مارسه المصريون وحدهم، بل تذكر نصوص أخرى مشاركة أجانب في سرقات، مثل قضية رجل يدعى "بيكامن" أتُهم بالسرقة، وأجريت معه تحقيقات واعترف بجريمته. كما تذكر النصوص تبرئة رجل مصري يدعى "دجاي"، اتُهم زورا بسرقة مقابر، وأثبتت التحقيقات براءته من التهمة.
وتشير بردية "ماير" إلى واقعة سرقة مقبرة الملك رعمسيس السادس، إذ أدى خلاف اللصوص على اقتسام الغنيمة إلى افتضاح أمرهم.
ومنذ عهد الملك رعمسيس العاشر، جُرد الملك من لقب "الإله الطيب" الذي كان لصيقا به، في دلالة على سوء الأحوال وتراجع الثقة واضطراب سلطة الملوك.
"البعد الأخلاقي"
ركز اللصوص على سرقات مقابر الملوك تحديدا، نظرا لتمتع هؤلاء الملوك، بحسب الفكر العقائدي المصري القديم، بحق الحياة في العالم الآخر بصحبة الإله في مملكته السماوية، ومن ثم كان لابد من تجهيز مقابرهم بكل نفيس يليق بهذه المكانة السماوية. وحفظ لنا الأدب المصري القديم نصوصا تشير إلى هذه الفلسفة كهذا المقتطف:
"أيها الواحد الطاهر، تربع على عرشك في سفينة رع، واسبح في السماء، وعش أنت هذه الحياة الطيبة التي يحياها رب الأفق".
وظلت الأخلاق "وقود" حياة المصري قديما حتى ينعم بالبراءة والطُهر في العالم الآخر، فألزمت العقائد الدينية الجميع على حد سواء بالبرهنة على أهليتهم لهذا النعيم الأبدي، حتى الملوك. وهذا ما عبّر عنه الأدب المصري القديم طبقا لبردية نافيل، في الفصل 125 من نصوص كتاب "الخروج إلى النهار"، المعروف اصطلاحا باسم "كتاب الموتى"، وفقا للترجمة الفرنسية للعالم بول بارجيه، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ليون، للنص المصري القديم:
"لم أرتكب ظلما بحق البشر، لم أسئ معاملة الناس، لم أرتكب خطايا في ساحة الحقيقة، لم أسع لمعرفة المحظور، لم أرتكب شرا، لم أبدأ يومي برشوة من الناس الذين يعملون لدي، ولم يرد اسمي عند رئيس العبيد، لم أسب الإله، لم أبخس الفقير رزقه، لم أقترف ما هو مشين للآلهة، لم اجعل عبدا يعصي سيده، لم أسبب ألما، لم أتسبب في جوع أحد، لم أتسبب في بكاء أحد، لم أقتل..... (إلى آخر ما يطلق عليه باعترافات البراءة)".
ويبرهن النص على حرص المصري على إعلان البراءة أخلاقيا من منطلق شعوره بالمسؤولية، ورفض كل ما يتعارض مع القانون وينتهك الفضائل تجنبا للجزاء الإلهي، وحافزا لتجنب عقوبات فرضها المجتمع لتكريس مبدأ الاستقامة، تفاوتت شدتها بحسب حجم الجريمة المرتكبة وحجم الضرر الواقع على المجتمع منها.
وفُرضت عقوبات قاسية على سرقة المقابر كجزاء رادع لنهب ما كانت تحويه من كنوز. ويذكر الملك سيتي الأول أنه أمر بعقوبة قاسية بحق من يسرق ممتلكات مؤسسة دينية بقطع الأنف والأذنين، وأن يعمل في فلاحة الأرض التابعة للدولة، وهو ما أطلق عليه المصري القديم "الخدمة العقابية".
وسواء كانت طبيعة السرقة لمقابر أو ممتلكات دينية أو شخصية، أكد الأدب المصري منذ آلاف السنين على مبدأ الالتزام بالفضيلة في مناحي الحياة، من خلال تعاليم توارثتها أجيال في مسعى للحفاظ على سلوك الفرد في المجتمع كأفضل سبيل لمكافحة الجرائم، لاسيما السرقات، عندما أعلن المصري أمام ميزان أعماله في العالم الآخر قائلا :"لم أسرق، لم تكن ثروتي عظيمة إلا من ملكي الخاص، ولم أسرق هبات المعبد".
|
|
|